أنور عبد ربه يكتب : حكايتى مع “اللورد” إبراهيم حجازى
** لا أدرى من أين أبدأ قصتى مع الراحل العظيم إبراهيم حجازى.. فمنذ اليوم الأول الذى تعرفت فيه عليه عام 1988، وجدت شخصًا مختلفًا عن الآخرين الذين قابلتهم فى حياتى.. نشاط وحيوية وأفكار متوهجة واعتداد شديد بالنفس، وثقة فى قدراته وإمكاناته، ونظرته الثاقبة التى تستطيع أن تفرز نوعيات البشر التى حوله.. عمومًا سوف أبدأ الشريط من أوله فى هذه السطور.
ــ البداية كانت فى مكتبه بالأهرام، عندما نصحنى زميل بأن أذهب إليه لأنه مسئول عن إختيار صحفيين للعمل فى جريدة الرياضية السعودية التى كان مديرًا لمكتبها فى القاهرة.. وعرضت عليه نماذج من شغلى وكان أكثره موضوعات من كرة القدم العالمية بحكم لغتى الفرنسية التى كانت تساعدنى على قراءة كبرى الصحف والمجلات العالمية مثل الفرانس فوتبول والإيكيب والأونز وغيرها، فنظر عليه نظرة سريعة، وكان واضحًا أنه قد انتهى من اختيار من يريدهم للعمل بالصحيفة فى السعودية، ولم يشأ أن يحرجنى، ولكنه بذكائه المعهود، قال لى: سيبك من حكاية السفر، إيه رأيك تشتغل معى هنا فى مكتب الرياضية بالقاهرة، وأعطانى موعداً لمقابلته فى 31 ش جزيرة العرب بالمهندسين، مقر صحيفة الشرق الأوسط وكل الناس والرياضية والمسلمون وغيرها من مطبوعات الشركة السعودية.. وذهبت فى الموعد المحدد، وكانت بدايتى فى العمل تحت قيادته، وكان عملى الأساسى وقتها فى وكالة أنباء الشرق الأوسط، كمحرر ومترجم.
ــ ومرت الأيام هادئة.. أقدم شغل يومى أو كل يومين أو ثلاثة وأذهب للمكتب سواء كان موجودًا أم لا، وأترك الشغل مع أخى وزميلى نصر القفاص الذى كان مسئولًا عن اعتماد الموضوعات نائبًا عنه. واستمر الحال على هذا النحو، إلى أن جاءت دورة سول الأوليمبية فى كوريا الجنوبية، وكان الكل يتابعها، ويتابع منافساتها وبوجه خاص ألعاب القوى. وقتها كنت منتدبًا لوكالة الأنباء الفرنسية لترجمة برقياتها إلى العربية من خلال “أ.ش.أ”. وفى أحد أيام سهرتى بالوكالة، جاء خبر تعاطى العداء الكندى بن جونسون للمنشطات، وثبت ذلك من خلال عينة بوله، واعتبرت هذا سبقًا لا يمكن السكوت عليه، فاتصلت به تليفونيًا عند منتصف الليل تقريبًا، وأخبرته، فطلب منى أن أكتب تقريرًا حول هذا الخبر المهم وعرفت أنه سيسعى لنشره طبعة ثالثة لأنه يعتبر انفرادًا لا يمكن تركه لليوم التالى. ولأنه كان له وضعه فى الأهرام، فسارع بالاتصال بالمسئول فى الدسك وطلب منه انتظار هذا التقرير، وكان قد قلب صفحة الرياضة رأسًا على عقب وترك مساحة كبيرة على رأس الصفحة للتقرير مع صورة كبيرة لبن جونسون وعليها علامة إكس باللون الأحمر، وكان انفرادًا تحدث عنه الوسط الرياضى كله، لأن “الأهرام” وحده الذى نشر التقرير فى ذلك اليوم، وبقية الصحف نشرته فى اليوم التالى.
ويرجع الفضل فى ذلك إلى إبراهيم حجازى ومهنيته العالية وقدرته على اتخاذ القرار وتنفيذه مهما تكن الصعوبات، وهى السمات التى يتميز بها عن كثيرين غيره، وظهر ذلك بعدها فى كل الأفكار الجديدة التى ابتكرها وتصور الناس أن تنفيذها مسألة صعبة، بدءًا من تنظيم بطولات الإسكواش فى ملعب زجاجى لأول مرة فى تاريخ اللعبة، ومرورًا ببطولات التنس وغيرها من الأحداث الرياضية المهمة، ويحسب له أنه أول من استغل أهرامات الجيزة فى تنظيم البطولات الرياضية. رحمة الله عليك يا إبراهيم حجازى كنت سابقًا لعصرك بفكرك المتوهج وعقليتك المستنيرة وإرادتك الحديدية، وحسمك فى اتخاذ القرار فى الوقت المناسب.
ــ بعد هذا السبق الصحفى الخاص بالعداء الكندى بن جونسون، وعدنى “اللورد” كما يحلو لكل من يعرفه أن يناديه، بأن يعمل على تعيينى فى الأهرام، ولم أكن أعرف وقتها أنه فى طريقه إلى إصدار مجلة رياضية جديدة تحمل اسم الأهرام الرياضى، وبالفعل نفذ وعده، ولم أكن وحدى وإنما كنا مجموعة منتقاة من مختلف المؤسسات الصحفية وتم تعييننا جميعًا فى يوم واحد (نبيل عمر، نصر القفاص، محمد سيف، أسامة إسماعيل، يسرى الفخرانى، شريف عليش وأنا) وأطلقوا علينا فى الأهرام، لقب الخبراء الأجانب!!، الذين استقدمهم إبراهيم حجازى للعمل فى مجلته الجديدة، بينما القسم الرياضى بالأهرام به الكثير من الصحفيين الرياضيين. وكانت مشكلة وقتها، ولكنه بعزمه وإصراره وعلاقته الوثيقة بالأستاذ إبراهيم نافع رئيس المؤسسة، لم يكن شىء يقف فى طريقه.
ــ وبعد ذلك القصة معروفة.. نجاحات متواصلة لإبراهيم حجازى فى وليده الجديد “الأهرام الرياضى”.. خبطات صحفية.. تغطية بطولات ودورات على أفضل ما يكون.. توزيع تجاوز كل الحدود، لدرجة أن بعض الأعداد الخاصة كانت تباع بكوبونات قبل طبعها.. أفكار خارج الصندوق.. حصيلة إعلانات بالملايين.. وكان إبراهيم حجازى وراء كل ذلك بعقله وقلمه وأفكاره المجنونة، وكلنا كنا وراءه، ولم يخذلنا أبدًا، فقد كان نعم القائد “الأستاذ” والأب والأخ والصديق.
ــ أما إبراهيم حجازى الإنسان، فحدث ولا حرج.. إنه يحتاج إلى “مجلدات” للحديث عن مواقفه الإنسانية وشهامته، وجدعنته، وأياديه البيضاء على جميع من يعملون فى الوسط الصحفى وليس الأهرام وحده، بل البعيدين عن هذا الوسط أيضًا، ولعل ما كتبه عشرات الزملاء على مواقع التواصل الاجتماعى عنه وعن تجاربهم معه، خير دليل على أنه كان إنسانًا رائعًا، قبل أن يكون مهنيًا متميزًا ووطنيًا مخلصًا، ونقابيًا مقاتلًا، وبطلًا من أبطال حرب أكتوبر العظيمة.
ــ رحمة الله عليك يا إبراهيم حجازى وغفر لك وتجاوز عن سيئاتك وألهمنا جميعًا الصبر والسلوان على فراقك، وأسكنك الله الفردوس الأعلى من الجنة. آمين يا رب العالمين.