أيمن بدرة يكتب : الفراعنة والنشامى.. والجوهري قائد المنتخبين لإنجازات تاريخية

0 377

 

 

كانت المرحلة التي تلت خروج منتخب الفراعنة من كأس الأمم الأفريقية مالي 2002 مرحلة فارقة في مشوار الجنرال محمود الجوهري أحد أهم اساطير التدريب في تاريخ الكرة المصرية والعربية ..فقد كان يرحمه الله في هذه الفترة يشعر بالاحباط من أنه لم يحقق أمله بأن يعيد الكأس الأفريقية إلي أحضان الفراعنة كما فعل في عام1998 حينما حقق واحدة من أغلى الأنجازات للكرة المصرية.التي خلفت فرحة طاغية وفخر للدولة المصرية بلغ قمته بخروج رئيس الجمهورية الرئيس الراحل محمد حسني مبارك إلي المطار لإستقبال الفريق لأول مرة في التاريخ

 

 

ويضيف الجوهري هذه البطولة التاريخية ولإنجازاته مع الكرة المصرية منذ أدخل كأس افريقيا للأندية الأبطال إلي قلعة الأهلي لأول مرة في التاريخ عام 1982 من أنياب أشانتي كوتوكو الغالي المرعب إلي الصعود للمونديال إيطاليا 1990 لأول مرة بعد غياب 56 عاماً ومن بعدها الفوز بكأس أفريقيا للزمالك وكاس السوبر عام 1994.

 

منتخب الفراعنة الذى قادة الجوهرى لمونديال إيطاليا 1990 ودعمة بعد البطولة بعدد من اللاعبين الشباب منهم محمد صلاح أبو جريشة وفوزى جمال وأيمن رجب

وبما كانت لي من علاقة طيبة ومتواصلة مع الكابتن جوهري كما كنا نناديه منذ توثقت علاقتنا التي بدأت من عام 1984 ..وأصبحت لها طبيعة التواصل الدائم منذ تولى قيادة المنتخب في سبتمبر عام 1988 حتى أنه يرحمه الله كان يقول لي أنني لا أتعامل معك كصحفي مع مصدر ولكن كشريك لنا في عملنا .. نحن حينما نتعامل مع شخص يكمل عملنا ويوصل وجهة نظرنا وتصورتنا للرأي العام بأمانة فانه يصبح شريك لنا .. وهذا هو ما كان يعلمه عني كل من عملوا مع الجوهري وشاركوه صناعة الانجازات في مصر والأردن وسلطنة عمان والأمارات عبر أكثر من ربع قرن سواء كان فتحي مبروك أو علاء نبيل أو فكري صالح أو زيزو ومحمد عامر  والمهندس سمير عدلي والدكتور أحمد ماجد ومحمود سعد وعبد المنعم الصاوي وغيرهم .

 

 

 

المنتخب الأردني على باب مسجد مدينة جينان الصينية عام 2004 والدوائر الحمراء توضح مكان الجوهري وعلاء نبيل وفكري صالح والزميل أيمن بدرة كاتب المقال

 

في عام 2002 بدأ الجوهري يفكر في الخروج من مصر .. وخوض تجربة تدريبية جديدة بعيدة عن الأجواء في مصر ومنتخب الفراعنة الذي كان يعشقه .. ولكنه شعر أن بعض رموزه لم يعودوا مثلما كان جيل مونديال 1990.

وبين أكثر من عرض تلقاه لقيادة فريقيه إستقرت المفاضلة بين تدريب منتخب نيجيريا ومنتخب الأردن .. والفارق في المستوى الفني بينهما في تلك الفترة كان كبيراً جداً لصالح النسور النيجيرية مقارنة بنشامى الأردن.

 

 

 

 

وفي احدى الجلسات التي كانت تجمعنا في مكتب المهندس سميرعدلي المدير الاداري التاريخي في حياة الكرة المصرية والصندوق الاسود للجوهري وأحد اقرب المقربين من الراحل العظيم .. تحدثنا عن المفاضلة .. وبالطبع بحماس الشباب في ذلك الوقت تصورت بل وتحمست في الحوار أن تكون وجهة الجوهري نحو الغرب الأفريقي مع نيجيريا .. فريق يضم أعداد كبيرة من المحترفين .. وله مكانته الدولية .. ولكن الجوهري بعبقريته كانت له نظرة أخرى قال لي وجهة نظره التي لن أنساها بل ولا أخفي سراً أن قلت أنها أصبحت من منهاج حياتي العملية

 

 

 

قال الكابتن جوهري :

” تدريب نيجيريا ليس طموحي ولا يتناسب مع شخصيتي ” وطبعا كانت الدهشة على وجههي ..فأستمر في حديثة إذا قبلت بتدريب نيجيريا سأكون واحد من مدربين كبار دربوا هذا الفريق فالمنتخب النيجيري من العادة أن يدربه مدربين مشاهير ..وسأكون مجرد رقم في مشوار هذا المنتخب مثل اسماء كثيرة منهم وسترهوف وبونفرير الهولنديين أو ميلوتيوفيتش اليوغسلافي .. وستكون مهمتي أن أنتظر مجموعة المحترفين الذين يتجمعون قبل أي بطولة بأيام قلائل .. ونتنهي مهتهم فرحلون إلي البلاد التي يعيشون فيها كمحترفين.

 

 

واستمر الجوهري يرحمه الله يشرح لي لماذا يستبعد قبول تدريب نيجيريا ..وقال : هم لا يحتاجون مدرب مثلي يحفر في الصخر أنا أريد أن أبني فريق ونظام كروي لأ اسعى لأن اخذ لقطة أنني دربت نيجيريا .. ولكن في الأردن الأرض خصبة ..وستمنحي الفرصة لأن أزرع وأحصد وكل مجهود سيبذل هناك سيكون له ثمرته ..إنما في نيجيريا الأمر عادي فريق يصل كأس العالم عادي …يفوز بكأس الأمم عادي ..لكن في الأردن ما سنفعله بإذن الله لن يكون شئ عادي .. انت هناك بتنني عارف يعني أيه أنت بتبني صرح على قواعد أنت اللي واضعها ؟”.

 

قاطعته : جميل جداً يا كابتن أنت واضح أنك عايز تعيد تجارب سابقة مع الفراعنة مثلما فعلت مع جيل 90 وما بعدها حينما اخترت لاعبين لم يكن أحد يتصور أنهم يمكن أن يكونوا في المنتخب لأنهم من أندية مغمورة مثل هشام عبد الرسول وحسين عبد اللطيف وصابر عيد وأيمن رجب ثم في كأس العرب التي اقيمت في سوريا حينما فزت لمصر بالكأس والميدالية الذهبية في دورة الألعاب العربية في سوريا 1992 بلاعبين مستجدين تماماً منهم اشرف يوسف ومحمد ريفا وسامي الشيشيني وخالد الغندور وأيمن منصور.. وغيرهم من الشباب الذين راهنت عليهم الذين حصلت بهم على الكأس من بين أنياب المنتخب السعودي في مباراة رائعة .

 

هانى رمزى أحد الشباب الذين منحهم الجوهرى فرصة اللعب للمنتخب الوطنى فى المونديال

 

رد علي بسرعة مظبط .. فهمتني .. وعايز اطمنك : أنا اللي عرفته وسمعته من الأتحاد الأردني بيشجعني جداً جداً أني اخوض معهم التجربة ..وسنتقابل وتعرف أنني كنت على حق.
” على بركة الله يا كابتن .. ربنا معاك أنا واثق جداً أنك تعشق الحفر في الصخر وأنك لابد أنك وجدت ما يشجعك على العمل هناك”.

 

سافر الكابتن الجوهري إلي العاصمة الأردنية عمان معه جهازه الفني علاء نبيل مساعد وفكري صالح مدرباً لحراس المرمى وحسنين حمزة تأهيل واستكمل باقي الجهاز من عناصر اردنية متميزة .. وكان ابرزهم أحمد قشطنية المدير الأداري للمنتخب .

 

 

كان تصنيف المنتخب الأردني في الفيفا وقتها في عام 2003 المركز 152 ..ولم تكن هناك قاعدة كبيرة يسهل منها الأختيار ..وكانت عناصر المنتخب أغلبها من ناديين أو ثلاثة .. وجاء الجوهري ليرسم مع قيادات الكرة الأردنية وعلى رأسها الأمير علي بن الحسين مشوار اللعبة في المملكة لسنوات طوال .. وكان المشوار تظلله آمال وطموحات هذا الشاب الذي آمن بقدرات الجوهري كرجل سبق فكره زمانه فالأمير الشاب كان له هو الأخر أحلام للكرة في بلاده ووجد في عزيمة وقدرات الجوهري الفائقة ما يحول الأحلام إلي واقع .. وهو بالفعل ما أصبح واقع مسجل في تاريخ الكرة الأردنية والعربية والأسيوية .
مع الجوهري تأهل النشامى إلي كأس أسيا في الصين عام 2004 لأول مرة ..ليكون إنجاز غير مسبوق لهذا الفريق الذي جاء من خلف كل التوقعات .. ليصعد إلي مصاف الكبار في القارة الصفراء .

 

الامير علي بن الحسين رئيس الإتحاد الاردني لكرة القدم ومعه الزميل أيمن بدرة يستمع إلي ما قام به الجوهري مع الكرة الأردنية حتى حظي بمكانة تاريخية مع النشامى

 

 

 

 

وفي هذه البطولة التاريخية للكرة الأردنية بلغ التقدير للفريق أن جلالة الملك عبد الله الثاني قرر مرافقة المنتخب في جزء من رحلته إلي الصين .. مقدماُ دعماً معنوياً مذهلاً حينما كان يرتدي الفانلة رقم 99 ويشارك اللاعبين في التدريب ويحفزهم حتى أنهم كانوا علامة ناصعة البياض لبلادهم وسط كبار المنتخبات الأسيوية.

كأن المنتخب الأردني قد وقع في مجموعة تضم كوريا الجنوبية والأمارات والكويت .. وكلها منتخبات ذات تاريخ ونجوم تفوق النشامى .. ولكن كان هذا قبل التريخ الذي قاد فيه الجوهري هذا الفريق فمعه كانت مقارعة الكبار لا تشكل إي قلق للاعبين الأردنيين الذي احرجوا المنتخب الكوري الجنوبي الرهيب وتعادلوا معه كما تعادلوا مع الأبيض الأماراتي وفاز على الكويت .. وأصبح ثاني في المجموعة ليصعد إلي دورثمن النهائي.

 

الجوهرى يحي جماهير النشامى

 

 

في مدينة جينان الصينية ومع المسلمين الذين تجاوز عدد عدة ملايين لم تكن مهمة النشامى في مقتصرة على الملعب بل كعادته حرص الجوهري على أن يصنع للفريق شخصية وتواجد في مدينة جينان التي كانت تقام فيها مباريات المجموعة وكلف إدارة الفريق بأن تبحث عن مسجد للصلاة وترتبط بالمسلمين في هذه المدينة التي كان يعيش فيها أكثر من 25 مليون مسلم .. كان يصطحب الفريق لصلاة الجمعة معهم ويجتذبهم للمدرجات لتشجيع الفريق .. فأصبح للنشامى قاعدة جماهيرية وذكريات بين الصينين من المسلمين في هذه المدينة التي تبعد عن العاصمة الصينية بكين ساعتين سفر بالطائرة.

 

 

 

وفي بكين كانت أهم مباراة في مشوار الكرة الأردنية مع المنتخب الياباني .. وجعلت خطة الجوهري الكومبيوتر الياباني عاجز عن حل معادلات النشامى الكروية حتى أنتهى اللقاء بالتعادل 1/1 وأستمر التعادل حتى دخل الفريقان في ركلات الترجيح .. ويتفوق نجوم الأردن بهدفين من أول ركلتين ويهدر اليابانيون ركلتين .. هنا تدخل الحكم متخذاً قرار غير مسبوق بتغيير المرمى الذي يتم تسديد ركلات الترجيح عليه .. ويضع لاعبي الأردن تحت ضغوط نفسية شديدة تؤثر على تقدمهم ويصعد منتخب اليابان بفارق ركلة واحدة .. ليخرج منتخب النشامى بتقدير كبير بعد أن سطر مع الجوهري سطور تاريخية في سجلات الكرة الأسيوية والعربية.

 

يبقى الجنرال محمود نصير الجوهري مع الكرة الأردينة ومن قبلها المصرية حكايات وروايات وقصص تحتاج إلي كتب عبر سنوات طوال عمل فيها على صناعة أجيال من اللاعبين أصبحوا نجوم تاريخيين منهم من جاء من أندية صغيرة إلي مصاف الدولية مثل هشام عبد الرسول في مصر وعامر شفيع في الأردن.

 

وغداً حينما يلتقي الفراعنة مع النشامى تبقى مسيرة الجوهري قائد المنتخبين منارة ايقى تنير حتى بعد أن لقي وجه ربه ..ولكن ما فعله الجنرال سيظل خالد لإجيال.

 

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق