يحى زكريا يكتب : بصراحه شديده!! وداعا.. وصلت الرساله!

0 229

 

هل ان الاوان ؟!
كنت واقفا استظل تحت شجرة كثيفة الاوراق في احدي المقابر القريبه من القاهره.. كنت خائفا من الشمس ودرجة الحراره 44 درجه عصر هذا اليوم لأن طبيبي حذرني بشده من الحراره العاليه التي تؤذي وانا اعاني بعض الامراض.. ولكن كل هذا لا مكان له في سمعي وعقلي وانا اقف عاجزا تحت الشجره والشيخ امامي يدعو للميت الذي يواري الثري في المقبره امامي في تلك اللحظه.. ومازالت اوراق الشجر تتساقط من فوقي وانا احتمي بها وكأنها تريد ان تخبرني بشئ.. او تذكر نفسي التي انشغلت بالدنيا عن دار القرار والاحتماء بالله وليس بورق الشجر!.. هل ياتري فهمت الرساله في تلك اللحظه رغم دموعي وانشغالي بالرجل الذي ندعو له بالرحمه..

 

 

 

 

نعم وصلت الرساله.. نعم فهمت الرساله.. العمر مضي ونحن نلهو.. الاصدقاء والاهل يهرعون الي الموت سراعا ونحن نلهث وراءهم لنصلي عليهم وندعوا لهم بالرحمة والمغفره ثم نواريهم التراب ولا ندري او لا نتخيل انه سيأتي اليوم الذي يحمل اجسادنا الاخرون ويصلوا علينا ثم ينصرفوا ونبقي لوحدنا في البرزخ الي يوم الدين.. نعم.. الرساله هي الموت.. فأنه المصير المحتوم..

 

 

 

 

اليوم ودعت اغلي الاصدقاء.. كنا نلعب كرة القدم في ملاعب جامعة القاهره ولم اكن لاعب موهوب.. كنت لاعب علي باب الله.. وشاء حظي المظلم ان العب امام مهاجم فريق كلية الحقوق من ابناء منطقة عابدين مفرخة اعظم لاعبي كرة القدم المصريه.. وتلاعب بي كثيرا واحرز من مراوغته لي اهداف كثيره وقطع نفسي.. وبعد المباراه وجدته ينتظرني ويهدئ من حزني علي الهزيمه..وجلسنا فتره طويله علي كافيتريا الجامعه لتبدا رحلة تلاقي الارواح والصداقه التي يتحدثون عنها في الكتب.. واصبحنا نلتقي كثيرا وكان بيت عائلته في شارع كلوب بك العتيق بحي الأزبكيه هو بيتي وامه هي امي وكان بيت خير كثير وكانوا اهل كرم.. واستمرت الحياه والعلاقه وسافرت انا وبقي هو وفجأه التقيته في الحرم وهو يؤدي مناسك العمره وكأننا علي موعد ان تظل العلاقه.. رغم الانقطاع وانشغال كلا منا بحياته واسرته.. وايضا مرت الاعوام حتي عادت من جديد منذ عشرة سنوات ومن لحظتها لا نفترق نهائيا.. وصل هو لأعلي المراتب الوظيفيه واصبح مستشارا قانونيا عالميا.. وانا والحمد لله امتهن الصحافه.

 

 

 

 

 

كانت معظم الحواديت في مكتبه او الكافيه المفضل في حي عابدين او المطاعم او المناسبات هي كرة القدم.. لأن الحوارات في القانون صعبه.. كان له رأي في الاحتراف واللاعبين ومجالس الادارات والمنظومه الرياضيه.. كان يحلم بأن نتفوق رياضيا كما تفوق الكثير من ابناء الوطن في العلوم والطب.. كان يحمل رؤيه حالكة السواد لمستقبل كرة القدم.. معتبرا ان مابني علي باطل سيظل كذلك لأن النبت متوارث وهو ماتثبته لنا الايام.. كان صعبان عليه الجماهير الغلبانه التي تحرم نفسها من المال القليل وتذهب به الي الملاعب وتشاهد اراجوزات علي البساط الاخضر ولا تجد كرة قدم.

 

 

 

ومع تشاؤمه علي الكره.. كان هناك نظرات حزينه تكسو وجهه مع مرور الايام.. وكان يصحبني كثيرا لسرادقات العزاء والمقابر ونحن نودع صديق او اب او ام او اخوه وكان المشهد يتكرر كثيرا حتي اصبح صديق العمر مكتئب وكان يحدثني عن الانصراف والسفر الي لقاء الاحبه.. وكان يتحدث عن الزهد في الحياه ويصدمني بالسؤال.. يارجل انت فقدت كام واحد من عيلتك.. وكم فقدنا انا وانت من اصدقاء العمر.. الا نستعد للحاق بهم.. كان يبكي كثيرا وهو من كان يضحكني كثيرا.. كنت الومه في الاسابيع الاخيره ان جلستنا تحولت من لقاء ارتقبه الي موعد اخاف منه.

 

 

 

 

وكأنه كان يؤهلني لفراقه.. صحيت منذ ايام علي تليفون من ابنه محمود المحامي الكبير ايضا.. بابا مات ياعمو..!! وهنا افقت علي صراخ الاهل وعويل الابناء بعد كنت غائبا لدقائق مع الذكريات.. يصرخ بعض الرجال احدهم يطلب من الاخر وضع المياه علي الحجاره التي توضع علي المقبره و معلنة لحظة الوداع والانصراف.. وهنا تذكرت الفقيد الذي كان مهموم بمشاكل الكره وتذكرت ايضا الاف المشجعين الذي تعصبوا ودفعوا وشتموا وارتكبوا النميمه ولعنوا وهتكوا الاعراض ثم ماتوا ولم يستفيدوا شئ من النجم الفلاني ولاشيكا ولا تريكا ولا يحزنون ولا يتذكرهم احد بل يقفون امام الواحد القهار ليدفعوا الثمن الذي غاب عن عقولهم ومازال احفادهم يرتكبوه ولا موت يوعظهم ولا جماجم تحرك فيهم ساكنا.. والحمد لله ان صديق العمر كان محترم ومتربي ولم يكن من هؤلاء.

نعم الرساله وصلت.. وبقيت اوراق قليله علي الشجرة.. اكيد اسمي علي واحده منهم ولا يعلم موعد السقوط الا الله.. ولكن الشواهد تقول قربت يامولانا النائم.. ايها الغارق في قيل وقال انتبه..

هناك بعض الخواطر اذكرها لحضراتكم في نهاية المقال لأتعلم منها وانتم كذلك::
اين الجمال واين اللون والنسب.. اين اللغات واين الجاه والرتب.. اين الثراء واين المال مكنزه.. اين التكبر واين اللهو والطرب.

وداعا اغلي الاصدقاء سنوات كثيره مضت ولم نفترق ولم يبقي الا القليل وسنلتقي ولن يغادرنا احد في دنيا الخلود والبقاء.. وداعا صديقي احمد البنهاوي.. هذه المره بدون القاب..

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق